بين زحام الاحزان تولد بسمة، يحاول أن يصنعها كل من ارهقه واقعه، والشعب العراقي انموذجا، فرغم ماتكبده أبناءه من صعاب وحروب وضنك في العيش، إلا أنه مازال يحتفظ برداء المرح بين مقتنياته، ويعود تاريخ أول نكتة مكتوبة تم إكتشافها كانت مدونة من قِبَل السومريين سنة 1900 ق.م، في موقع أثري جنوب العراق، وتطورت أساليبها وطرائقها حتى وصلت امتداداتها الى ما يصطلح عليه اليوم (التحشيش( والذي أصبح سمة بارزة للعراقيين، فنجدهم يتخذونها وسيلة للترفيه عن أنفسهم والتنفيس عما يختلج في أنفسهم من قهر وكبت، ففي زمن النظام السابق ولدت اساليب القمع وتكميم الافواه نكات سياسية تسخر من الرئيس المقبور ونظامه، واليوم نجد أوجه عدة للنكات والسخرية التي تطورت أساليبها وطرائقها بتطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا، فنرى وجها جديدا للنكات يتمثل بالقوة الناعمة إذ تم استخدام النكتة وسيلة للانتقاد السياسي في بعض البرامج التلفزيونية الساخرة أو الأعمال الدرامية التي تنتقد واقع العراق بطابع الهزل، وفي عصر الاعلام الجديد والتطور التقني فان مواقع التواصل الاجتماعي كانت منصة للترويح والنقد من خلال بعض الصفحات التي تعرض هموم الناس بطريقة ساخرة تلفت بها أنظار المسؤولين للوقوف عليها، ولم تغب عن الاحتجاجات وسيلة السخرية، فمن منا لم يشاهد نعش الكهرباء في تظاهرات عدة طالب محتجوها بابسط حق من حقوقهم وهو الكهرباء، التي باتت معضلة يصعب حلها في ظل الحكومات المتعاقبة، ولعل أبرز نكتة مازالت عالقة في أذهان العراقيين، هي ما نطق بها أحد الوزراء عن تحقيق العراق الاكتفاء بالطاقة وتصديره للكهرباء، ومن خلال ماسبق يتضح لنا إن ابتسامة العراقيين ليست كباقي ابتسامات الشعوب الاخرى، لأنها ولدت من رحم ظلم وحيف، فمآسي الشعب العراقي لاتعد ولاتحصى، ابتدأت ملامحها من الحروب والحصار ثم الاحتلال والحكام الفاسدين، والإرهاب والتهجير، كل هذه الذكريات المريرة قابعة في عقول العراقيين، وأثرت على سيكولوجيتهم، ليكون الحزن ضيفا ثقيلا على قلوبهم على مر السنين، ليصنف العراق بالمرتبة الأولى في قائمة أكثر شعوب العالم شعورا بالحزن والتوتر، بحسب تقرير للعواطف أعلنته شركة “غالوب” الأمريكية المختصة في الاستشارات الإدارية وإدارة الموارد البشرية والإحصاءات سنة ٢٠٢٠، الذي أجري فيه استطلاعا شارك فيه أكثر من 175 ألف شخص من 145 بلدا، فكانت النتيجة كما ذكرنا وهذا ليس بغريب اذا ماقيست النتيجة بما قاساه العراق وشعبه من محن وآلام، رغم ذاك هذا لا يعني الاستسلام، فلابد من كسر قيود الالم بالامل، والتفاؤل بغد مشرق تعبده الأجيال الجديدة حاملين معهم احلام المتعبين، بإرادة جادة للنهوض والتغيير الذي يبتدأ به الفرد من نفسه فلايغير الله مايقوم حتى يغيروا ما بانفسهم، فالرحلة الشاقة التي تحملها العراقيون لا بد لها أن تنتهي وتعود الابتسامة الحقيقية لتنير وجه العراق .