صمت رهيب يجوب ارجاء منزل ابي احمد احد البيوتات العراقية، ليس لان لا احد فيه بل افراده موجودين الا انهم لا تفاعل حياتي بينهم بعد ان غزت وسائل التكنولوجيا العالم، فكل واحد فيهم غارق في سبات عميق وله عالمه الخاص.
فذلك الاب الذي اهمل دوره الرئيس ليقضي وقته ما بين الالعاب الالكترونية او التواصل الافتراضي مع هذا وذاك، اما الام فصبت اهتمامها لاعداد وصفات الطعام والتي لاتكف عن تصويرها ونشرها للتفاخر بها في صفحاتها او في مجموعات تخص صديقاتها، ليكون الضحية ذلك الطفل الصغير الذي لا يتجاوز العام ونصف من عمره الذي ما ان صرخ باكيا حتى يجد وسيلة تهدئته الهاتف النقال متناسين ابويه الحقائق العلمية التي تؤكد خطورة اقتناء الطفل للأجهزة الألكترونية وتأثيرها على تلف خلايا دماغه او خطورة ادمانها الذي يؤدي الى المرض المتفشي بين صفوف الاطفال وهو التوحد، هذا المرض الذي يقدرخبراء من مراكز بحوث تربوية ونفسية أنّ عدد الأطفال المصابين به أكثر من 20 ألف طفل في عموم أنحاء البلاد بحسب احصائية لعام 2022.
ان هذه القصة وتداعياتها هي واحدة من مئات القصص الموجودة في البلاد والتي لايوجد منا من لم يستمع عن مشاكل واضرارعديدة نتيجة الاستخدام السلبي لوسائل السوشيال ميديا والتعامل الخاطئ مع التقدم التكنولوجي، واولى التداعيات هي حالات الطلاق التي يسجل العراق حوالي 200 حالة يوميا ولو تحرينا عن اسبابها لوجدنا الكثير منها له صلة بالسوشيال ميديا فحالات الخيانة من الرجل او المراة وغيرها من الاسباب باتت تحدث وبكثرة نتيجة عدم الوعي الثقافي والديني للمقبلين على الزواج.
الى جانب ذلك برزت مشاكل التفكك الاسري وغياب الترابط العائلي بين افراد الاسرة حتى لو كان افرادها تحت سقف واحد، فاالعزلة الاجتماعية واحدة من نتائج هذا التفكك والتي تشير دراسات بحسب اطباء النفس انها تصيب مراهقا من بين كل عشرين، و22 بالمئة من كل تسع أو عشرة مراهقين يصابوا بها نتيجة شعورهم بالاكتئاب.
هذا الاكتئاب الذي تدى بكثر من المراهقين للجوء الى الانتحار او الى اساليب اخرى نتيجة عدم الاحتواء من قبل اسرهم، فكم يعاني المجتمع اليوم من ظاهرة المشاهير التافهين، الذين لجأ اصحابها لوسائل الاعلام الحديث لتكون متنفسا لهم لتصدير كل ما يشاؤون لينعكس ذلك سلبا على المجتمع سيما وان الكثير من المحتوى بلا قيمة ومنافيا للقيم وهذا ما يؤكد مضمون كتاب الفيلسوف الكندي (آلان دونو) الموسوم (نظام التفاهة)، والذي يقول فيه بأننا نعيش في مرحلة تاريخية شبيه (بنظام التافهين)، فلنظام التفاهة رموز تافهة ولغة تافهة وشخصيات وأدوات تافهة خاصة به، لأنه حسب دونو من الأسهل القيام بأشياء تافهة وملحة من القيام بأشياء مهمة غير ملحة، وأنه «يمكن تدنيس العقل بشكل دائم من خلال عادة الاهتمام بأشياء تافهة».
وعلى الرغم من الحملات التي تقام لمحاربة المحتوى الهابط من قبل الجهات المعنية في العراق، الا ان هذا الحل ليس كاف لمعالجة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها العراق فلابد من ثورة وعي يتحمل مسؤوليتها جميع افراد المجتمع ومن مختلف الشرائح، واساس نجاح المجتمع ينطلق من الاسرة فهي النواة والركيزة الاساسية التي ينطلق منها بناة المستقبل.
فلابد من تفعيل حملات تثقيفية تكون اجبارية تشمل الاب والام لكيفية ادارة الحياة والتعامل السليم مع الابناء وكذلك لتأهيل المقبلين على الزواج فلايمنح مثلا عقد الزواج الا بعد اجتياز دورة تاهيلية ، ولابد من تظافر الجهود لتحقيق ثورة الوعي لتحقيق الاستخدام الصحيح للوسائل الحديثة من قبل الجهات الحكومية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني وسائل الاعلام والمؤثرين في المجتمع من رجال الدين والاكاديميين والفنانين والمشاهير، كذلك لابد من ادخال منهج تربوي يتضمن كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي في المدارس كوننا في عصر الحداثة وهذه الوسائل اصبح استخدامها مفروض على المجتمع كونها دخلت حتى في مجال التعليم لذا فان وسائل الاعلام الحديث هي اداة ذو حدين وبامكان تغيير نتائج الاستخدام السلبي لها الى ايجابي واستثمارها لتحقيق الكثير من الامور النافعة في حال تم توظيف طاقات مستخدميها الى مايصب بخدمة المجتمع لتكون نعمة لانقمة.